قداس كتائب مونتريال…كتاب مفتوح من البطولة
اندره قصاص – خاص الحدث -كندا
في القداس السنوي، الذي ترأسه سيادة راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول – مروان تابت، والذي دعت إليه رئيسة القسم الكتائبي في مونتريال السيدة جاكلين طنوس إحياء لذكرى الرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميل والرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل والوزير الشهيد الشيخ بيار أمين الجميل، صودف أن جلست في الصفوف الأمامية في كاتدرائية مار مارون في مونتريال، وقبالتي مباشرة ثلاث صور للمؤسس والرئيس والوزير.
وبينما كنت أشارك بالصلاة لراحة أنفسهم مرّت في خاطري صور من الماضي، حيث كانت لي مع كل منهم علاقة تختلف ظروفها وطبيعتها.
مع الشيخ المؤسس، وكنت محررًا في جريدة “العمل”، نشأت بيننا علاقة اعجاب ومودة واحترام. عملاق من عمالقة الاستقلال اللبناني. شخصية فذّة وصلبة. قليل الكلام، لكن إن تكّلم يكون لوقع كلماته صدىً مدوٍ. سياسي لا يشبه أحدًا من السياسيين. كتائبي إلى حدود التكريس. لا يساوم ولا يهادن. ليّن الطباع وصلب المواقف. كنت في كل مرّة التقي به في البيت المركزي ينتابني شعور غريب، لأنني كنت أخال نفسي أمام انسان استثنائي في مشيته، التي تسابق الريح، وفي بحّة صوته المتهادية كنسمات الربيع حين يلاطف، وكعصف الرياح العاتية حين يثور ويغضب.
الشيخ بيار الجميل رجل عصامي، انضباطي، متجرّد، ورؤيوي. في كل مرّة كنت أقصده مستوضحًا في أمر ما كنت أخال نفسي أمام مارد عملاق، وفي الوقت نفسه أمام طفل ملاك.
أمّا علاقتي بالشيخ بشير فبدايتها كانت سوء تفاهم. وما أن حُلّ هذا الاشكال بمبادرة من الأستاذ جوزيف أبو خليل، حتى سقط التكليف بيننا، ولم تعد تفصل بيننا أي عوائق على رغم انشغالاته الكثيرة ومسؤولياته الجسام. كان يقول كلمته ويمشي. لم يراجعني يومًا في “ترجمة” أفكاره من اللهجة اللبنانية إلى لغة عربية سهلة، على رغم أن المهمة كانت صعبة. فالتعامل مع الكلمة، التي كان يقولها ليس بالأمر السهل. هي مسؤولية كبيرة.
فمن المجلس الحربي، إلى بيت الكتائب المركزي، إلى كل مكان كان يقصده في مهمة سياسية ووطنية كنت ارافقه بصفتي الصحافية. كنت اراقب ذاك الشاب، الذي لم تكن الأرض لتسع طموحاته وأحلامه. وكنت أنظر إليه نظرة الاعجاب بهذه الشخصية، التي لن تتكرّر، وأطمئن إلى أن لا خوف معه على المجتمع المسيحي، وأن المستقبل سيكون معه غير الماضي، الذي كانت له فيه موقف حاسم، إذ لم يخلُ أي خطاب له من انتقاد لاذع لسياسيين لم يستطيعوا أن يبنوا سوى “مزرعة” بدلًا من إقامة وطن غير ذات سيادة وكرامة.
فعندما حارب، حارب بشراسة وبشرف البطولة فاستحّق أن يكون ذاك القائد، الذي لن يتكرّر. وعندما هادن حاور الجميع بشجاعة وجراءة وصراحة وفروسية، فاستحق أن يكون ذاك الرئيس الذي لا يزال حلمًا لم ينكسر.
أمّا الوزير الشهيد الشاب فمزج في شخصيته عناد الرئيس الشيخ أمين الجميل، فكان صلبًا في مواقفه، وفي الوقت ذاته كان فيه الكثير من طيبة الشيخة جويس وجدّته الشيخة جنفياف. صارع وحيدًا لكي يعيد إلى الكتائب وهجها وألقها. نجح حيث فشل الذين حاولوا حرف الكتائب عن خطّها التاريخي.
سار على خطى جدّه ووالده وعمّه. كان كبيرًا في “مرجلته”، وطفلًا في عاطفته. لمّ شمل “الرفاق”. أعاد رصّ الصفوف. أعاد إلى الكتائبيين ما اعتقدوا أنه أصبح من الماضي.
لم أكن أطلبه عندما تولّى حقيبة وزارة الصناعة حتى ولو كان الوقت متأخرًا إلاّ ويجيب بضحكته المحببة “وينك مروق أنا بعدني سهران بالمكتب”. وكان الحديث بيننا يطول ويطول، مع ما في حديثه من عمق واستشراق.
لم أذكر أني بكيت على خسارة صديق أو قريب بقدر بكائي على من كنت اراهن على أن المستقبل له.
لم يكن قداس مونتريال قداسًا عاديًا. منه فاحت رائحة البخور المجبول بتاريخ من البطولة في ساحات الدفاع عن لبنان الـ 10452 كيلومترًا مربعًا.
ثلاثة من الفرسان ترجلوا، ولكن المسيرة ما زالت مستمرة مع أجيال من الكتائبيين في الوطن والمهاجر، وعلى رأسهم الشيخ الشاب سامي الجميل المفتوحة أمامه آفاق المستقبل، وبرعاية الرئيس الأمين على الارث الكتائبي.
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

