تعرّف إلى المطران جاويش كما تعرّفت عليه أنا

اندريه قصاص
ثمة أشخاص وانت في حضرتهم تتمنى لو ان عقارب الساعة تتوقف عند كل كلمة ينطقون بها فيأخذكم الابهار إلى الأزمنة الجميلة، وتأسركم الدهشة، وتنساب رغبة دفينة في التسمّر حيث تجلس.
هؤلاء الأشخاص، وسيدنا ميلاد جاويش واحد منهم، يأسرونك بما يختزنون في عمق أعماقهم من غنىً روحي وثقافي، وكأنك تقرأ في وقت واحد ألف كتاب.
فراعي أبرشية بيت كيليكيا للروم الملكيين الكاثوليك واحد من بين كبار ملافنة الكنيسة الكاثوليكية. رؤيوي إلى حدود الامحاء في البعد اللاهوتي للكلمة المتجسدة. أسقف يجمع بين ما اختزنه من فضائل رهبانية طيلة مسيرته الايمانية، وبين تواضع يشع ضوءا ساحرا.
تستمع إليه وكأنك في حضرة التاريخ المجبول بتضحيات الذين نذروا أنفسهم لخدمة القريب. لا يفتش عن كلماته، بل يحدثك وكأنه يريد أن يستزيد من معرفة تفيض عنه.
ساعة مرّت وكأنها لحظة، والتمنّي لو أنها تدوم. وأنت جالس بالقرب منه تتحّول بكليتك إلى إذنين سامعتين، وتراودك أفكار ملئ بالشحن الإيجابي. تسمع وتستمع وتستمتع.
ومع كل فكرة جديدة ينتابك شعور بأنك حفظت أشياء وغابت عنك أشياء كثيرة. ولكل فكرة هدف، ولكل هدف أسلوب. وبهذه الثلاثية تُختصر المسافات بين الماضي والحاضر، وتُرسم صورٌ مشرقة لمستقبل واعد.
هل هي تلك الطيبة الظاهرة على ملامحه، أم هي حركات اليدين، اللتين تنسابان مع نغمات صوته الدافئ، أم هي تلك الوداعة غير المصطنعة وغير المغلفة بأشواك الورود، أم هي تلك النظرات، التي تخفي شعاعًا من حنان. هي كل هذا مجتمعة تجعل الجالس بقربه أو قبالته مأخوذًا بشيء من السحر الربّاني المنساب من علو إلى أسفل.
يسأل بتواضع العارف الحكيم. ينتظر الجواب ليبني على الشيء مقتضاه. يسترسل حين يرى في الأمر فائدة. ويختصر حين يرى أن ليس بكثرة الكلام تُنال النعم.
في هذه الساعة دار الحديث عن أمور كثيرة، ولكن المشترك بينها كلها أن “من كان الانجيل بين يديه لا يخشى شيئًا”. فكلام السيد المسيح هو الحاضر دائمًا كالثالث بين أثنين. هو الملهم والموجّه. هو البداية وهو النهاية…وليكن كلامكم “نعم” “نعم” و”لا” “لا”، وكل ما زاد فهو من الشيطان.
تسأله عن انجيل لوقا (19، 11-28)، وما التبس عليك فهمه، يجيبك بما أوحي له بشرح تاريخي ولاهوتي فاتك الكثير من مفاهيمه الايمانية.
همّه أن يجذب إلى أحضان الكنيسة الواحدة والرسولية والجامعة الجيل الثالث من أبناء رعيته، معترفًا بأنه لم يستطع حتى الآن، وعلى رغم مرور أربع سنوات على وجوده في أبرشية كندا، من أن يكتشف كيف يفكر أبناء هذا الجيل، الذي انخرط في الحياة الكندية.
ولكن له ملء الثقة بقوة عمل الروح القدس، وبأن ما يبدو مستعصيًا على الحل يُذلل بالصلاة والمثابرة والاصغاء بتواضع وانسحاق إلى الالهامات السماوية.
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

