بين المديح والطعن: تناقضٌ لا يمرّ بلا سؤال
الحدث كندا خاص
رؤوف نجم
استوقفَتني جملةٌ صغيرة في آخر فقرة من كلمةٍ لرجلٍ كبير في موقعٍ سياسي كبير من أصلٍ عربي، في لقاءٍ صحفيّ لم يتعدَّ خبرُه بضعة أسطر. بدت الجملة كأن صاحبها مُستَدرَج ليقول ما قال في آخر الكلام. فلما قال، قلت في نفسي: يا ليتَه ما قال! فالرجل الكبير لا يترك مناسبة دينية إلا ويحضرها، ويلقي فيها كلماتِ الإشادة بأصحاب المناسبة من رجال الدين، بل ويُنشِد فيهم شعراً موزوناً.
كنتُ أتمنّى لو اكتفى بالكلام الأول ولم يختمه بالألم والبكاء على رجال الدين؛ لأن ليست كل الدموع ناتجةً عن ألم، ولأن ألمَه يتجه باتجاهٍ وحيد. فكيف إذن يفسِّر إشادتَه برجال الدين ثم يطعن بهم؟
ألا يعرف الرجل الكبير أن كلّ الشرق الأوسط الآتي هو منه، يرتكز على الأديان وعلى رجال الدين؟ ألا يعرف أن كل جالية في الانتشار والاغتراب تلتفّ حول كنيستها وجامعها وكنيسها ورجال دينها؟ أليس هو أيضاً يلتفّ حول كنيسته ويلقي خطاباته فيها ليشدّ عصب جماعته، ليؤمّن بضعة أصواتٍ إضافية يعتبرها،على حدّ قوله،غير مهمة في نجاحه؟ وألا يعرف أيضاً أن الجمعيات ومنظمات الانتشار تدور في فلك رجال الدين؟
لو كان الرجل الكبير يأبهُ حقاً لرأي الناس فيه، لما ارتكب الخطأ تلو الخطأ. لكنه يعرف أن جالياتٍ أخرى غير لبنانية وعربية تدعمه، لأنها تعوّدت على دعمِ كائنٍ من كان في مكانه. هنا تكمن المفارقة: أن تمدحَ المنبرَ وأهله نهاراً، ثم تُشهِرَ عليهم سيف اللوم مساءً.
السياسة ليست تمريناً على البلاغة، بل اتّساقٌ بين القول والفعل. ومن دون هذا الاتّساق، تصبح الدموعُ مجرّدَ أداةٍ في خطابٍ انتقائي، ويغدو الشعرُ الموزون قناعاً لرسالةٍ غير متوازنة.
فمن أراد أن يخاطب مجتمعاً يرتكز على مؤسساته الدينية ويستمدّ منها تماسكه في الاغتراب، فليحسن القياس على هذا الواقع، لا أن يزاوج بين الإشادة والطعن. وإلا بقي السؤال معلّقاً: أيهما نصدّق،مديحُ المنابر أم وخزُ السهام؟
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

