4 أب 2020: جريمة العصر ومرأة الوطن الجريح

Last Updated: أغسطس 12, 2025Categories: أخبار لبنان
رؤوف نجم
الحدث-كندا خاص
بيروت، 4آب 2020،‎ ‎الساعة‎ ‎السادسة‎ ‎وثماني‎ ‎دقائق‎ ‎مساءً‎. ‎انفجار‎ ‎مزلزل‎ ‎دوّى‎ ‎من‎ ‎قلب‎ ‎العاصمة،‎ ‎وتحديداً‎ ‎من‎ ‎العنبر‎ ‎رقم‎ 12 ‎في‎ ‎مرفأ‎ ‎بيروت،‎ ‎حيث‎ ‎كانت‎ ‎مخزّنة‎ ‎بطريقة‎ ‎عشوائية‎ 2750 ‎طناً‎ ‎من‎ ‎نترات‎ ‎الأمونيوم‎ ‎منذ‎ ‎سنوات‎. ‎لحظة‎ ‎واحدة‎ ‎كانت‎ ‎كفيلة‎ ‎بتحويل‎ ‎المدينة‎ ‎إلى‎ ‎ركام،‎ ‎وبثّ‎ ‎الرعب‎ ‎في‎ ‎نفوس‎ ‎الملايين،‎ ‎وكتابة‎ ‎واحدة‎ ‎من‎ ‎أحلك‎ ‎صفحات‎ ‎تاريخ‎ ‎لبنان‎ ‎الحديث‎.
في‎ ‎دقائق‎ ‎معدودة،‎ ‎تحوّل‎ ‎مشهد‎ ‎الغروب‎ ‎على‎ ‎خليج‎ ‎بيروت‎ ‎إلى‎ ‎كابوس‎ ‎حارق‎:
نحو‎ 300 ‎شهيد‎ ‎سقطوا‎ ‎في‎ ‎لحظة‎ ‎الغدر‎.
أكثر‎ ‎من‎ 7,000 ‎جريح،‎ ‎كثيرون‎ ‎منهم‎ ‎يعانون‎ ‎حتى‎ ‎اليوم‎ ‎من‎ ‎إعاقات‎ ‎جسدية‎ ‎ونفسية‎.
‏300,000 مشرّد‎ ‎فقدوا‎ ‎منازلهم‎ ‎ومأواهم‎.
‏50,000 وحدة‎ ‎سكنية‎ ‎تضررت‎ ‎بدرجات‎ ‎متفاوتة‎.
خسائر‎ ‎مادية‎ ‎بلغت‎ 15 ‎مليار‎ ‎دولار،‎ ‎وفق‎ ‎تقديرات‎ ‎رسمية‎ ‎أولية‎.
رغم‎ ‎مرور‎ ‎خمس‎ ‎سنوات‎ ‎على‎ ‎الجريمة،‎ ‎لا‎ ‎تزال‎ ‎الحقيقة‎ ‎غائبة،‎ ‎أو‎ ‎بالأحرى‎ ‎مُغَيّبة‎. ‎التحقيق‎ ‎القضائي‎ ‎اللبناني‎ ‎ما‎ ‎زال‎ ‎يراوح‎ ‎مكانه‎ ‎وسط‎ ‎الضغوط‎ ‎والتدخلات‎ ‎السياسية‎ ‎والطائفية‎. ‎القرار‎ ‎الظني‎ ‎لم‎ ‎يصدر‎ ‎بعد‎. ‎القاضي‎ ‎المكلّف،‎ ‎وبعد‎ ‎سلسلة‎ ‎من‎ ‎العرقلة‎ ‎والإقصاءات،‎ ‎لم‎ ‎يتمكن‎ ‎من‎ ‎كشف‎ ‎من‎ ‎أمر‎ ‎بجلب‎ ‎هذه‎ ‎المواد‎ ‎القاتلة،‎ ‎ومن‎ ‎سمح‎ ‎بتخزينها،‎ ‎ومن‎ ‎تجاهل‎ ‎خطرها‎ ‎القاتل‎.
في‎ ‎المقابل،‎ ‎ترفض‎ ‎دول‎ ‎العالم،‎ ‎وعلى‎ ‎رأسها‎ ‎فرنسا‎ ‎والولايات‎ ‎المتحدة،‎ ‎تسليم‎ ‎صور‎ ‎الأقمار‎ ‎الاصطناعية‎ ‎التي‎ ‎من‎ ‎شأنها‎ ‎أن‎ ‎تساعد‎ ‎في‎ ‎تحديد‎ ‎ظروف‎ ‎الانفجار‎ ‎وربما‎ ‎كشف‎ ‎المتورطين‎. ‎أما‎ ‎الدولة‎ ‎اللبنانية،‎ ‎فغارقة‎ ‎في‎ ‎صمتها،‎ ‎عاجزة‎ ‎عن‎ ‎مواجهة‎ ‎القوى‎ ‎المتحكمة‎ ‎بمصير‎ ‎التحقيق‎.‎
‏ من‎ ‎هيروشيما‎ ‎إلى‎ ‎بيروت
لم‎ ‎يكن‎ ‎التشبيه‎ ‎الدولي‎ ‎مبالغاً‎ ‎فيه‎: ‎الانفجار‎ ‎شُبّه‎ ‎بانفجار‎ ‎هيروشيما‎ ‎عام‎ 1945‎،‎ ‎من‎ ‎حيث‎ ‎القوة‎ ‎والدمار‎. ‎غير‎ ‎أن‎ ‎الفرق‎ ‎الجوهري‎ ‎هو‎ ‎أن‎ ‎ما‎ ‎حدث‎ ‎في‎ ‎بيروت‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎نتيجة‎ ‎حرب‎ ‎خارجية،‎ ‎بل‎ ‎‏ قد يكون نتاج‎ ‎إهمال‎ ‎داخلي،‎ ‎وربما‎ ‎تواطؤ،‎ ‎أو‎ ‎على‎ ‎الأقل‎ ‎لا‎ ‎مبالاة‎ ‎قاتلة‎.
ما‎ ‎بعد‎ 4 ‎آب،‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎كما‎ ‎قبله‎. ‎ومع‎ ‎ذلك،‎ ‎لم‎ ‎يتغير‎ ‎الكثير‎.
خمس‎ ‎سنوات‎ ‎على‎ ‎الانفجار،‎ ‎وخمسون‎ ‎سنة‎ ‎على‎ ‎اندلاع‎ ‎الحرب‎ ‎اللبنانية،‎ ‎ولا‎ ‎يزال‎ ‎لبنان‎ ‎يدور‎ ‎في‎ ‎حلقة‎ ‎مفرغة‎. ‎أزمات‎ ‎متراكمة‎: ‎طائفية،‎ ‎سياسية،‎ ‎اقتصادية،‎ ‎أمنية،‎ ‎وحتى‎ ‎وجودية‎.
في‎ ‎مواجهة‎ ‎هذه‎ ‎الكارثة‎ ‎الوجودية،‎ ‎يختار‎ ‎اللبناني،‎ ‎عن‎ ‎وعي‎ ‎أو‎ ‎عن‎ ‎غريزة،‎ ‎الهروب‎ ‎بدل‎ ‎المواجهة‎:‎‏ يهاجر‎ ‎بحثاً‎ ‎عن‎ ‎حياة‎ ‎كريمة‎.‎‏ يعيش‎ ‎في‎ ‎‎«‎وطنه‎ ‎العائلي‎ ‎الصغير‎»‎،‎ ‎حيث‎ ‎يحصر‎ ‎نفسه‎ ‎في‎ ‎الدوائر‎ ‎الضيقة‎ ‎التي‎ ‎تؤمّن‎ ‎له‎ ‎الحد‎ ‎الأدنى‎ ‎من‎ ‎الاستقرار‎.‎‏ يحيي‎ ‎المهرجانات،‎ ‎يؤلف‎ ‎الأغاني،‎ ‎يملأ‎ ‎الشوارع‎ ‎بالألوان‎… ‎لكنه‎ ‎في‎ ‎العمق‎ ‎يعيش‎ ‎حياة‎ ‎افتراضية،‎ ‎كمن‎ ‎يرفض‎ ‎الاعتراف‎ ‎بأن‎ ‎وطنه‎ ‎يحتضر،‎ ‎فيقنع‎ ‎نفسه‎ ‎بأنه‎ ‎لا‎ ‎يزال‎ ‎حياً‎.
الانفجار‎ ‎لم‎ ‎يكن‎ ‎مجرد‎ ‎كارثة‎ ‎مادية‎ ‎أو‎ ‎إنسانية،‎ ‎بل‎ ‎محطة‎ ‎فاصلة‎ ‎كشفت‎ ‎هشاشة‎ ‎الدولة‎ ‎اللبنانية،‎ ‎وعمق‎ ‎الفساد،‎ ‎وسطوة‎ ‎الطائفية،‎ ‎وهيمنة‎ ‎أمراء‎ ‎الحرب‎ ‎والمال‎. ‎وهو‎ ‎أيضاً‎ ‎مرآة‎ ‎لحقيقة‎ ‎مرة‎: ‎أن‎ ‎لبنان،‎ ‎منذ‎ ‎نصف‎ ‎قرن‎ ‎وأكثر،‎ ‎يعيش‎ ‎أزمة‎ ‎هوية‎ ‎وكيان‎.
في‎ ‎ذكرى‎ 4 ‎آب،‎ ‎لا‎ ‎تكفي‎ ‎الدموع،‎ ‎ولا‎ ‎الورود،‎ ‎ولا‎ ‎الأغاني‎. ‎المطلوب‎ ‎حقيقة‎ ‎وعدالة،‎ ‎وإرادة‎ ‎سياسية‎ ‎للتحرر‎ ‎من‎ ‎قبضة‎ ‎المنظومة‎ ‎التي‎ ‎قتلت‎ ‎بيروت‎ ‎مرة،‎ ‎وتقتلها‎ ‎كل‎ ‎يوم‎.‎
مونتريال – أحيا مركز «القوات اللبنانية» في مونتريال يوم السبت 2 آب 2025 في كاتدرائية المخلص في مونتريال ، كندا، ذكرى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 بتنظيم يوم للتبرّع بالدم، كما ‏دأب على ذلك سنويًا، تخليدًا لذكرى الضحايا وتعبيرًا عن الالتزام الإنساني والوطني تجاه لبنان الجريح.
الانفجار الذي دمّر جزءاً كبيراً من العاصمة اللبنانية وخلف مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمشرّدين، لا يزال جرحاً مفتوحاً في ‏الذاكرة الجماعية، وسط غياب العدالة وتأخر المحاسبة، ما يزيد من معاناة الأهالي واللبنانيين في الداخل والمهجر على السواء.
وفي كلمة للمناسبة، شدد القائمون على النشاط أن مبادرة التبرّع بالدم تحمل بُعدًا رمزيًا وإنسانيًا في آن، إذ تعبّر عن التمسّك بثقافة ‏الحياة والتضامن، في وجه الإهمال والموت اللذين تجسّدا في جريمة 4 آب. كما جدّدوا الدعوة إلى محاسبة جميع المسؤولين عن ‏الكارثة، أياً كانت مواقعهم، لأن العدالة هي المدخل الحقيقي للشفاء الوطني وبناء الثقة بالمؤسسات.
وخلال النشاط، تمّ تكريم السيدين منير عفيف وجان شحود بمنحهما وسامين من هيئة «‏Héma-Québec‏»، وذلك تقديرًا لتجاوزهما ‏الثلاثين عملية تبرّع بالدم، في لفتة تؤكد أهمية الاستمرارية في العطاء والمساهمة الفعالة في إنقاذ الأرواح.
هذا اليوم، الذي بات تقليدًا سنويًا، يعكس التزام القوات اللبنانية والجالية في كندا بقضايا وطنها الأم، وحرصهم على إبقاء الذاكرة حيّة ‏من خلال مبادرات تُعلي من قيمة الإنسان وتنتصر للحقيقة والحياة.‏

الأخبار عبر البريد الإلكتروني

اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

Leave A Comment