جرس صغير متمرد

المهندس نبيل نجم
من دفتر الذكريات – لبنان
جرس صغير متمرد
خمس دقائق وتدق الأجراس…
المسيح قام ، حقاً قام ! كل يوم يموت المسيح ثم يقوم!. الخامس عشر من نيسان ١٩٩٠. يوم آخر يضاف إلى عدد الأيام التي مرت في حياتي حتى الآن.
يوم آخر حاولت تثبيته في ذاكرة التاريخ الذي لا يرحم.
بعض السطور ، بعض الكلمات على ورق ، هذا هو ما يتبقى في التاريخ !!
سطور تحفظها الذاكرة ، أو لا تحفظها . تختبئ بين جدران المكتبات ، أو تنتهي على قارعة الطريق.
حيطان المنزل ما زالت قاتمة ، وحيث تضيئ الشمعة اليتيمة في الممشى الكبير ، في أسفل حائط باب الطفلات الأربع ، بعض نور صغير أصفر يزيد من حدة ظلام الغرف البعيدة. وبين العتمة والنور ، حلم جديد.
تلمست طريقي على ضوء القنديل الكهربائي الذي بات من أعز الأصدقاء في زمن حرب لم يُسدلْ ستارها بعد. إلى يميني تنام رفيقة عمري بإطمئنان
بعد نهار مضني ، فتحت الواجهة الزجاجية القاتمة لأعبر إلى الشرفة ، وإذ بي أعبر من طبقات سواد إلى طبقات أكثر سواداً !. تلة مار الياس أمامي غير واضحة الخطوط. فقط نور ضعيف خجول يصدر من إحدى غرف الدير الرابض على التلة. اشجار الصنوبر اشباح سوداء. رائحة الحرب والموت تنبعثان منها بهدوء مخيف. يلفحني نسيم الصَبا اللذيذ بطراوته الصباحية . أتنشق ما استطاعت رئتاي ! فوق ، في السماء ، يلوح خيال بضع غيوم تلبس لباسا عسكريا رمادياً لتحاصر القمر وتسرق ضوءه. لا من حرب أو من عسكر الاّ ويسرق ضوء البراءة والطهر .
على ضوء القمر الباهت ، احاول أن اتبين قبب أجراس الأديرة القريبة والبعيدة المحيطة بمنزلي ، كلها اختفت ، سكتت – اختنقت ، وهناك، على المقلب الآخر من تلة مار الياس، يجثو دير طاميش على ركبتيه في العتمة.
البارحة صباحاً كانت حجارته تشع بالايمان … ثم فجأة انطفأ نورها ، وباتت سوداء !
من على يميني رن جرس دير البشارة، إنها الخامسة والنصف فجراً، وكأني به الجرس الوحيد المتبقي والمتمرد على ظلم هذا الظلام ….
” مازال الأمل موجوداً ، المسيح قام : حقاً قام …. كان يقول.
زوق مكايل، حي التراب – ١٥/٤/١٩٩٠
بدء صباح عيد الفصح.
المهندس نبيل يوسف نجم
______________________________________________
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

