لبنان على حافة … بركان البرلمان
اعداد الحدث كندا – مونتريال
لإثنين 27 تشرين الأول/أكتوبر 2025
تبدو الساعات الأخيرة على صعيد الجنوب والبقاع أشبه بعودة إلى مربّع توتّر يعرفه اللبنانيون جيداً. الضربات والاشتباكات المتقطّعة تتصاعد وتيرتها ثم تهدأ قبل أن تعود مجدداً، فيما تسجَّل إصابات في صفوف المقاتلين ومدنيين، وتُرصد حوادث متفرّقة كالتعامل مع طائرات مسيّرة أو احتكاكات بمحاور حسّاسة. ذلك كله يجري فوق أرضية وقف إطلاق نار لا يزال هشّاً رغم مرور أشهر على إقراره، ما يعيد التذكير بأن قواعد الاشتباك قابلة للانزلاق في أي لحظة إذا لم تُثبَّت سياسياً ودبلوماسياً.
في هذا المناخ، يشهد الأسبوع حركة دبلوماسية كثيفة في بيروت، من اجتماعات آلية مراقبة التهدئة إلى زيارات وفود عربية ودولية. العنوان المعلن هو تثبيت خطوط التهدئة وتوسيعها، أمّا العنوان الضمني فهو ربط أي تقدّم ميداني بمسار سياسي يعيد الاعتبار لسلطة الدولة على السلاح والقرار الأمني. ومع اقتراب استحقاقات إقليمية ودولية قبل نهاية العام، تضيق نافذة الفرصة: المطلوب تفاهمات سريعة تمنع الانزلاق وتفتح الباب أمام ترتيبات أوسع، وإلا عاد الميدان ليملأ فراغ السياسة.
داخلياً، يعود مجلس النواب إلى واجهة التجاذب. اعتراضات على جدول الأعمال ومقاطعات معلنة تُعيد إنتاج الانقسام القديم حول الأولويات: هل تُقدَّم التشريعات الإصلاحية المطلوبة دولياً لإنعاش الاقتصاد وإعادة هيكلة القطاع المالي، أم تُفتَح منابر السياسة أولاً على عناوين السيادة والسلاح؟ هذا الاشتباك لا يبقى في السياسة فقط، بل ينعكس مباشرة على القدرة على إقرار القوانين التي يطالب بها الشركاء الماليون، وفي مقدّمهم صندوق النقد الدولي.
حكومياً، تتحرّك حكومة نواف سلام لإرسال حزمة تشريعات، أبرزها قانون “فجوة المالية العامة”، في محاولة لالتقاط خيط تفاهم عملي مع صندوق النقد يضمن إعادة هيكلة عادلة وشفافة للدين والمصارف. لكن الورشة شديدة الحساسية: أي مقاربة لا تصون صراحةً حقوق المودعين وتُحدّد بوضوح أعباء الرسملة وتوزيع الخسائر قد تُطيل عمر الأزمة بدل حلّها، وتفتح نزاعات سياسية وقضائية واقتصادية في آن. بالتوازي، تظهر ارتدادات للأزمة اللبنانية خارج الحدود مع إعادة تقييم مكامن التعرّض في أنظمة مالية قريبة، ما يعني أنّ الملف المصرفي لم يعد محلياً صرفاً وأنّ كلفة التأخير ترتفع زمنياً وسياسياً.
على مستوى الشرعية والمؤسسات، ومنذ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات مطلع العام، بات الاتجاه أوضح لجهة تعزيز حضور الدولة وربط أي مسار لإعادة الإعمار بإقرار نهائي لمرجعية السلاح والقرار الأمني. غير أنّ التوتّر الحدودي المستمر يضع هذه المقاربة أمام معادلة دقيقة: تثبيت التهدئة من دون أثمان داخلية كبيرة، واستثمار أي هدنة في إصلاحات بنيوية لا شعبوية.
على ضوء ما تقدم فإنّ البلاد تتحرّك على ثلاثة محاور متزامنة: ضبط أمني هادئ-متوتّر جنوباً وشرقاً، ضغط دبلوماسي متسارع لتثبيت التهدئة وربطها بمسار “سلاح الدولة”، وسباق تشريعي-مالي لالتقاط فرصة اتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية 2025. أي تعثّر في البرلمان هذا الأسبوع سينعكس فوراً على المسار المالي وتوقّعات الأسواق والثقة العامة، فيما أي حادث حدودي كبير قد يبدّد سريعاً ما تراكم من عوائد دبلوماسية في الأسابيع الماضية. وعليه، تبدو “علامات المراقبة” للقراء في الأيام المقبلة واضحة: نتائج الاتصالات الدولية الجارية، مصير مشاريع القوانين المالية وفي مقدّمها معالجة الفجوة، ومآلات جلسات المجلس بين مقاطعة واعتراض ومحاولة تدوير زوايا. بين هذه العناوين يتحدد إن كان لبنان سيقطف هدنة مستدامة تتيح له بدء الخروج المنظّم من أزمته، أم سيعود إلى حلقة مفرغة حيث يسبق الميدان السياسة مرةً أخرى.
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

