كلام برسم نواب لم يقرأوا تاريخ لبنان

اندريه قصاص
من الواضح واستنادًا إلى كلام أخير قيل على هامش زيارة اغترابية أن بعض النواب اللبنانيين الحديثي النعمة، والمثقل ماضيهم الاغترابي بعلامات استفهام كبيرة وكثيرة، لم يسمح لهم “وقتهم الثمين” بقراءة كتاب واحد عن تاريخ لبنان، ولم يطلعوا على البطولات التي حققها رجال الدين في لبنان، مسلمين ومسيحيين، وهم الذين سطّروا بأحرف من ذهب أمجادًا لم تكن لتخطر على بال أحد من رجال السياسة كما هي الحال مع سياسيي آخر الزمن، بالتكافل والتضامن مع أوراق الكترونية صفراء تُستغل لأغراض شخصية ومصالح ضيقة.
من المؤسف، بل من المخزي، أن يتجرّأ بعض هؤلاء النواب على التصريح بعدم حق رجال الدين بالتعاطي بالسياسة، وهم الذين لا يرفعون الصوت إلا دفاعاً عن الوطن وعن القيم، وكأني بهؤلاء النواب أو السياسيين أوصياء على الوطنية، ويحتكرون الكلام في السياسة، ويمنحون لأنفسهم شهادة “حصرية” في حب لبنان، وهم الذين أفرغوا السياسة من معناها النبيل، وحوّلوها إلى بازار مصالح ومحاصصات، ينسون أو يتناسون أن رجال الدين، مسيحيين ومسلمين، هم من كتبوا فصول الاستقلال والسيادة بعرقهم ودمهم، لا بشعاراتهم الجوفاء.
هل نذكّرهم بالبطريرك الياس الحويّك، ذاك العملاق الذي حمل على كتفيه همّ قيام دولة لبنان الكبير، فوقف في وجه الانتداب والمطامع، وأرسى فكرة الوطن السيد المستقل؟
هل نذكّرهم بالإمام موسى الصدر، ذاك الرجل الذي لم يتحدث يوماً بلغة الطائفة، بل بلغة الوطن، فرفع لواء العدالة الاجتماعية والعيش المشترك حتى اختُطف صوته لأنه كان أكبر من كلّ الطوائف؟
هل نذكّرهم بالمفتي حسن خالد، الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه الوطنية الجامعة، عندما كانت بعض الأبواق السياسية تتاجر بالدماء والانقسامات؟
أم نذكّرهم بالشيخ محمد أبو شقرا، رمز الاعتدال والعروبة، الذي حمى الجبل بروحه وكلمته وحكمته، يوم كان كثيرون منهم يحمون مصالحهم فقط؟
هؤلاء الرجال لم يكونوا طلاب سلطة ولا وزارات، بل كانوا صوت الضمير الوطني حين خرس السياسيون، وكانوا ميزان العدل يوم اختلّ توازن الدولة، وكانوا سدّاً منيعاً في وجه الطائفية التي جعلها بعض الزعماء سلاحهم المفضل للبقاء في الحكم.
فمن المعيب أن يزايد اليوم سياسي فاشل أو نائب عابر على رجال الدين، فيتهمهم بأنهم “يتدخلون بالسياسة”.
نعم، من حق كل رجل دين أن يتكلم بالسياسة، لا بل من واجبهم أن يفعلوا ذلك، حين تُفرّغ السياسة من معناها الأخلاقي، وحين تُصبح الكلمة الحرة تهمة، والموقف الوطني مغامرة. فحين يسكت أهل الدين عن الظلم، يسقط الوطن في يد من لا يعرفون إلا لغة الصفقات والحقائب.
لقد أثبت التاريخ أن رجال الدين في لبنان كانوا أكثر وطنية من كثير من السياسيين، وأشدّ إخلاصاً لوحدة البلاد وسيادتها واستقلالها. أما أولئك الذين يرفعون اليوم شعارات “فصل الدين عن السياسة”، فهم في الحقيقة يريدون فصل الأخلاق عن السياسة، وفصل الكلمة الجريئة عن الضمير الحيّ.
فليتعظ هؤلاء، ولينظروا في المرآة قليلاً قبل أن يهاجموا رجال الدين. فمن خان الوطن لا يملك حق محاضرتنا في الوطنية، ومن باع مواقفه بثمن بخس لا يحق له أن يُسكت صوت الحق، ومن لم يتعلم من الحويّك والصدر وخالد وأبو شقرا، فالأجدر به أن يصمت، لأن الصمت في حضرة العظماء أبلغ من أي كلام.
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني

