الحدث كندا – مونتريال | 24 أيلول/سبتمبر 2025
خاص رؤوف نجم
كشف تقرير للصحفي الإسرائيلي باراك رافيد على موقع “أكسيوس” عن مسعى دبلوماسي أميركي هادئ يقوده مبعوث الرئيس الأميركي توم باراك، بدعم من الدبلوماسية مورغان أورتاغوس، يفتح مسارين متوازيين نحو تهدئة قابلة للبناء في الشرق الأوسط: مسار سوري–إسرائيلي يستهدف صياغة معادلة أمنية جديدة بديلة لاتفاق فصل القوات لعام 1974، ومسار لبناني يختبر للمرة الأولى جدّية الدولة في مقاربة سلاح حزب الله مقابل خطوات إسرائيلية متبادلة. وبرغم تعثر الجهود الأميركية في إنهاء حرب غزة حتى الآن، يرى رافيد أن عام 2025 قد يشكّل “عام الفرص” إذا استُثمر الزخم سريعًا وبحذر.
وفق التقرير، تتبنى واشنطن مقاربة “التهدئة قبل التسويات”: خفض التصعيد ميدانيًا عبر ترتيبات قابلة للتطبيق، ثم هندسة أمنية أوسع تمهّد لاحقًا لتطبيع أو لتفاهمات سياسية. ويختلف هذا النهج عن مسار “اتفاقيات أبراهام” الذي بدأ من بوابة التطبيع؛ إذ إن سوريا ولبنان ساحتا نزاع مباشر مع إسرائيل، ما يفرض بناء أرضية أمنية صلبة قبل أي مسار سياسي.
على المسار السوري، يعمل توم باراك على تثبيت اتفاق خفض تصعيد يقيّد الحركة العسكرية قرب الحدود ويجمّد الضربات مقابل التزامات سورية واضحة، مع بحث ترتيبات عازلة وقيود جوية تشكّل بديلًا عمليًا لاتفاق 1974. وتحوّلت اجتماعات رعتها واشنطن—بدأت باحتواء توتر حول السويداء—إلى نقاشٍ أوسع لمعادلـة أمنية جديدة، في ظلّ اختراق رمزي تمثّل في اعتراف سوري علني ومقتضب بوقوع لقاء رفيع مع طرف إسرائيلي، وهو ما يكسر قطيعة استمرت أكثر من ربع قرن ويهيّئ الرأي العام لتدرّج أمني قابل للتطوير. وترافق ذلك مع بحث إنشاء ممر إنساني إلى السويداء لتقديم مساعدات للمجتمع الدرزي، في محاولة لربط التهدئة بعائد اجتماعي مباشر. ومع ذلك، تبقى المخاطر حاضرة: ملف الجولان، التموضع الإيراني، بنية الفصائل، وهشاشة الواقع السوري الداخلي—all عوامل تجعل النجاح في هذه المرحلة مرادفًا لـ“هدوء مُدار” لا “سلام نهائي”.
أما في لبنان، فيسجل التقرير انتقال الملف من حقل التصريحات إلى نقاش رسمي داخل مجلس الوزراء الذي كلّف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح الجماعات المسلحة، في خطوة غير مسبوقة تمسّ صلب معادلة حزب الله باعتباره قوة عسكرية وسياسية راسخة. وتربط واشنطن هذا المسار بحزمة “خطوات متبادلة” من الجانب الإسرائيلي تشمل تقليص الضربات والذهاب إلى خفضٍ تدريجي للوجود العسكري في الجنوب ضمن آلية أمنية تقودها الولايات المتحدة. ويعبّر الجانب الإسرائيلي—بحسب مصادر التقرير—عن استعدادٍ مشروط لاتخاذ إجراءات مطلوبة، لكنه يربط وتيرتها بقدرة الجيش اللبناني على لجم الحزب وإثبات جدّية الدولة في فرض سيادتها. ويحتاج النجاح هنا إلى قرار سياسي عابر للطوائف، ومسار قانوني وتشريعي واضح، وتمويل لبرامج الدمج والتعويض، ورزم إنمائية سريعة للمناطق المتأثرة، بالتوازي مع جدول زمني شفاف لخفض الضربات الإسرائيلية.
تؤكد القراءة التي يقدّمها رافيد أن ما يجري ليس “صفقة كبرى” تُبرم دفعة واحدة، بل درحات سلالم قصيرة ومتراكمة تُبنى خطوة خطوة: وقف ضربات، ثم قيود ميدانية، فآليات مراقبة، فحوافز اقتصادية–اجتماعية، وصولًا إلى واقع جديد يمكن أن تُبنى عليه السياسة لاحقًا. ويعزو التقرير هذا التحرك إلى قناعة في واشنطن بأن نافذة النفوذ مفتوحة خلال هذا العام، إذ ينظر عدد من القادة إلى الولايات المتحدة باعتبارها قادرة على توفير ضمانات أمنية وتمويل سياسي، لكن “كل يوم يمرّ يقلّص القدرة على استثمار هذه القوة الناعمة”.
و بحسب “أكسيوس”ف ففي سوريا، يجري العمل على اتفاق أمني انتقالي بديل لاتفاق 1974 هدفه تجفيف الاحتكاك وتثبيت قيود ميدانية قابلة للمراقبة؛ وفي لبنان، تُختبر قدرة الدولة على الذهاب إلى خطة واقعية لنزع السلاح مقابل خطوات إسرائيلية متدرجة وتحت مظلة أميركية. ويختم الموقع ان النجاح سيكون مرهونًا بقدرة الأطراف على الالتزام بتلك الدرجات وتراكمها بثبات، حتى يتحوّل “السلام الزاحف” إلى واقعٍ سياسي—وليس مجرد عنوان.
