«فينوس » مسرحية ثقافية بامتياز

Last Updated: أكتوبر 3, 2025Categories: أخبار كندا, الجالية في مونتريال وكندا

الحدث-كندا خاص

المهندس نبيل يوسف نجم

مسرحية «فينوس‎» (Venus) ‎على مسرح «أوترمون» – مونتريال، أيلول ٢٠٢٤‏‎ ‎

مسرحية للمنتِجيْن طارق سيكياس وجاك مارون ومن إخراج جاك مارون.‏

مقتبسة من رواية ‏Vénus à la fourrure ‎سنة 1870، للأديب ‏Leopold Von Sacher-Masoch

‏-‏ مسرحية ثقافية -اجتماعية، جريئة ومتطوّرة ، عويصة بعض الشيء على من ليس له خلفية معينة. ‏

ذات رسالة اجتماعية تلقي الضوء على موضوع نعيشه حتى عصرنا هذا، القرن الواحد والعشرين.

وهو سيطرة الرجل على المرأة وردة الفعل العكسية، بانقلاب الأدوار، وما يمكن أن تفضيا إليه من تعقيدات ودهاليز نفسية ‏وأخلاقية ‏مظلمة كالمازوشية، وتحول الحب من شيء سامٍ الى عبودية جسدية ونفسية معقدة ومريضة.‏

‏- المسرحية كما الكتاب الأصلي، تُعرض العلاقات المتذبذبة بين الرجل والمرأة، السيد والعبدة، ودور كل منهما في حياة السيطرة ‏‏والخضوع، وللإغراءات الجسدية والنفسية المتبادلة والى أي حد يمكن ان يصل هذا التجاذب غير المتوازن خاصة باستعمال الألم ‏‏الجسدي للشعور الأكثر عمقاً باللذة الجنسية.‏

‏- رولا بقسماتي لعبت دورها بشكل ممتاز طوال المسرحية، ان كان في الأداء الصوتي ومتغيراته حسب المشهد، أو التعبير الحركي ‏‏والجسدي المتعدد الإيحاء. ظننتها متخرجة من معهد الفنون، لكنها تعمل في المجال الإعلامي، وهذا مذهل، لقد أبدعت.‏

‏- كان بديع أبو شقرا كعادته رائعاً في أدائه، أكان في التعبير الجسدي أو الصوتي، وقد شدني اسمه لرؤيته على خشبة المسرح ‏‎ ‎Live‏ ‏‎ .‎

بديع له سحره في التمثيل. كان اداؤه جميلاً في لعب الدور الرجولي أولاً والانثوي لاحقاً، عندما انقلبت الأدوار بالتراضي بينه وبين« ‏‏فاندا»، رولا بقسماتي ، بين سيطرة الرجل على المرأة ثم سيطرة المرأة على الرجل. ‏

‏- لعبة الجسد أخذت كل بعدها الممكن والمعقول اجتماعياً على خشبة مسرح «أوترمون»؛ في مونتريال. منذ لحظة دخولها المسرح، ‏‏استحوذت رولا على كل الخشبة. كانت تلبس قميصاً يصل الى فوق ركبتيها وأخذت تنحني بشكل جريء، وظهرها الى المشاهد، غير ‏‏عابئة بخدش الحياء، ولا بالنظرات. وبعد ان خلعت هذه القطعة، ظهرت بثياب سوداء جلدية، تنورة قصيرة، وتحتها قطعة جلدية ‏‏تكشف عن صدر شبه مستور, وأخيراً في مشهد جريء ايضاً، تخلع هذه التنورة لتظهر كأنها بلباس بحر جلدي اسود وشريطين ‏‏اسودين يلفّان فخذيها.‏

‏- اعتقد ان المخرج استطاع الاقتراب جداً من فحوى كتاب المؤلف ليوبولد فان ساكر مازوك أو مازوش والذي من اسمه وُلدت كلمة ‏‏مازوشية، لتعبر عن لذة القهر والالم الجسدي في الحب، عند بعض الناس ممن يحبون سيطرة المرأة عليهم.‏

‏- مشهد بديع أبو شقرا يمرر يديه ببطء على الفرو الذي تلبسه «فاندا» كان رسالة يظهر فيها انوثة ونعومة جسد المرأة، في الملمس ‏‏الخارجي، والذي يخفي تحته بأساً وشراسة ودهاءً وحباً للسيطرة.‏

‏- يتخلل المسرحية اتصالان هاتفيان من خطيبة بديع، ليرجعانا الى الواقع وليظهرا خيانة وكذب الرجل، وفقدانه السيطرة على شهواته، ‏‏عند انجراره وراء حب مسعور لامرأة أخرى. ‏

‏- عندما تضع «فاندا» القلادة الجلدية حول رقبة بديع لتعكس أدوار السيطرة، فيصير هو العبد وهي السيدة أو السيد؛ وعندما تجلده، ‏‏وهو يتمتع بالالم، وأخيرا عندما تصفعه صفعة على وجهه فيرتمي راكعاً على الأرض، كلها مشاهد استطاعت ان توصل الرسالة. ‏وقد ‏استطاع كل من بديع أبو شقرا ورولا بقسماتي ان يصلا الى قلب المشاهد الواعي للمغزى الخلفي الأساسي. ‏

‏- ان انتهاء المسرحية بالصفعة القوية من «فاندا» لبديع أبو شقرا، وانحناء الأخير حتى الأرض، والقلادة الجلدية ما زالت حول رقبته، ‏لهو ‏مشهد يمثل انفجاراً نسويا ضد الظلم والعبودية الجسدية الذين تكبدتهما المرأة خلال القرون الماضية وحتى حاضرنا، من قبل ‏المسيحية ‏مروراً بها، وخلال الإسلام وبعده، حتى القرن الواحد وعشرين …وما زالت.!‏

‏- المسرحية رائعة بأداء جسدين فقط على الخشبة، لا يبهرنا فيها لا ديكور ولا ملابس آخاذة، ولا موسيقى، إلا صوت الشتاء والبرق ‏‏والرعد، صوت الطبيعة. ملابس بسيطة أعطت المعنى والفكرة كل المطلوب، وإضاءة متقشفة سلطت الضوء على المطلوب من ‏دون ‏ان تغشى العين، وقطع ديكور قليلة تُستثمر الى الحد الأقصى. هذا التقشف يمنح السيناريو والحركة الثقل ‏للمسرحية.‏

‏- مسرحية ثقافية بامتياز. هكذا شاهدتها.‏

المهندس نبيل يوسف نجم‎ ‎

مونتريال، أيلول 2025‏

___________________________________________

الأخبار عبر البريد الإلكتروني

اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني