زياد واليسار والكنيسة والمقاومة
الحدث – كندا | تحقيق خاص – رؤوف نجم
«أنا بآمن بالله، بس مشكلتي مش مع الله… مشكلتي مع وكلائه الحصريين».
«بيبلّشوا بالصليب… وبيكمّلوا بالسرقة».
بهاتين العبارتين، رسم زياد الرحباني حدود علاقته الملتبسة مع الدين والسياسة معًا: إيمان فردي بالله، وسخرية لاذعة من رجال الدين والساسة الذين جعلوا من الطائفية والفساد قاعدة لنهب البلد. واليوم، بعد رحيله في تموز 2025 وتكريمه بوسام الأرز، يعود الجدل: هل زياد هو ابن فيروز وعاصي الرحباني، أم أيقونة يسارية استثنائية فرضت حضورها على المشهد اللبناني والعربي؟
بعد أن خفتت الضجة الأولى لوفاة زياد الرحباني، وانحسرت موجة البوستات المتسارعة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تنتقل إلى التداول اللبناني الواسع، قررت جريدة وموقع الحدث – كندا أن تذهب أبعد من مجرّد ردّ الفعل اللحظي. فبادرت إلى إعداد بحث شبه شامل، مستعينة بالذكاء الاصطناعي، لاستكشاف ما يختزنه فضاء الإنترنت من مواد وشهادات وتحليلات حول مسيرة هذا الفنان الاستثنائي.
وإذ تنشر الحدث – كندا هذا التحقيق، فهي لا تتبنّى بالضرورة الأفكار أو المواقف الواردة فيه، بل تنطلق من شغف المعرفة، ومن حشرية صحافية في مجالات البحث والدراسة واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لخدمة القارئ.
تكريم متأخر… وجدل حيّ
في 28 تموز 2025، وقف البرلمان اللبناني دقيقة صمت عن روح زياد، ومنحه رئيس الحكومة نواف سلام، باسم رئيس الجمهورية جوزف عون، وسام الأرز الوطني برتبة قائد، أرفع وسام مدني في لبنان.
لكن هذا التكريم الرسمي أثار انقسامًا في الرأي العام: هل هو احتفاء بإرثه الفني والسياسي، أم مجرّد “تذكار” لاسم العائلة الرحبانية ورمزيتها في الوجدان اللبناني؟
اليسار والحركة الوطنية: انحياز مبكر
منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، انخرط زياد في الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط.
-
تبنّى الفكر الماركسي – اللينيني، واعتبر نفسه شيوعيًا ملتزمًا بقضايا الطبقة العاملة والفقراء.
-
أقام علاقة وثيقة مع الحزب الشيوعي اللبناني، فكانت أعماله الفنية صوتًا ثقافيًا للحزب في زمن المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
-
حتى بعد انهيار الحركة الوطنية إثر اغتيال جنبلاط عام 1977، بقي وفيًا لخياراته اليسارية، مستمرًا في فضح الطائفية والهيمنة الأجنبية عبر المسرح والإذاعة والموسيقى.
المسرح: من الخشبة إلى جبهة سياسية
حول زياد المسرح إلى منبر سياسي – اجتماعي مباشر، يتكلم لغة الناس ويعرّي النظام الطائفي.
-بالنسبة لبكرا شو؟ (1978)
صرخة في وجه الفقر والفساد، كشفت التناقضات العميقة في المجتمع اللبناني.
-فيلم أميركي طويل (1980)
هجوم على التدخل الأميركي في لبنان والمنطقة، قدّم رؤية يسارية مضادة للإمبريالية.
شي فاشل (1983)
تشريح لطبقة وسطى انتهازية متواطئة مع النظام الطائفي.
– بخصوص الكرامة والشعب العنيد (1993)
بيان صريح ضد فساد ما بعد الحرب الأهلية، وتفكك مشروع الدولة بعد الطائف.
لم تكن هذه المسرحيات مجرد عروض مسرحية، بل بيانات سياسية مكتوبة بالموسيقى والسخرية، تمثّل ذاكرة كاملة لوجع المجتمع اللبناني.
الأغنية المقاومة: موسيقى التحرر
زياد ألّف أغانٍ أصبحت جزءًا من هوية المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية:
-
أناديكم: نشيد خالد رفعته الحناجر في المظاهرات والاعتصامات.
-
جايي مع الشعب المسلح: أغنية تعبّر عن الانخراط المباشر في المقاومة.
-
موسيقى تصويرية لأفلام المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية.
-
أغانٍ ساخرة مثل شو هالحكومة وع هدير البوسطة دمجت بين الكوميديا والنقد السياسي.
الإذاعة: صوت الناس اليومي
الإذاعة كانت سلاح زياد الموازي للمسرح:
-
صوت الشعب (منذ السبعينيات): منبره السياسي الأبرز، حيث قدّم اسكتشات تنتقد الحرب الأهلية والزعماء الطائفيين.
-
العقل زينة (الثمانينيات): كوميديا ساخرة اعتمدت على المونولوغ وانتشرت على أشرطة الكاسيت.
-
بعدنا طيبين… قول الله (التسعينيات): سلسلة يومية حول أزمة الكهرباء، الغلاء، والفساد بعد الحرب.
-
مقابلات إذاعية (2000–2010): زياد استعمل الميكروفون لإعلان دعمه للمقاومة، خصوصًا خلال حرب تموز 2006.
من خلال الإذاعة، وصلت سخرية زياد إلى كل بيت لبناني، وحوّلت النقد السياسي إلى حكم شعبية متداولة.
زياد والكنيسة: إيمان بلا مؤسسات
علاقته بالكنيسة كانت ملتبسة:
-
وُلد في عائلة مسيحية أرثوذكسية، لكنه تبنّى خطابًا علمانيًا يساريًا.
-
اعتبر أن الكنيسة اللبنانية جزء من النظام الطائفي، وقال:
«المشكلة مش مع الله… المشكلة مع وكلائه الحصريين». -
في برامجه، سخر من السياسيين الذين “يبدأون بالصليب ويكملون بالسرقة”.
-
بقي أقرب إلى روح المسيحية الاجتماعية، أي الانحياز للفقراء والمهمشين.
زياد والمقاومة: من الشيوعيين إلى حزب الله
في الثمانينيات، قدّم ألحانًا للمقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية. ومع التسعينيات، بدأ يقترب من حزب الله باعتباره امتدادًا لمشروع التحرر من الاحتلال.
-
عام 2006، أعلن دعمه العلني للحزب خلال حرب تموز.
-
رغم انتمائه الفكري اليساري، رأى في المقاومة – أياً كان حاملها – الخط الموازي لقضايا العدالة والحرية.
خط زمني: زياد بين الفن والسياسة
| السنة | العمل | السياق السياسي | الصلة باليسار والمقاومة |
|---|---|---|---|
| 1978 | بالنسبة لبكرا شو؟ | تصاعد الحرب – اغتيال كمال جنبلاط | نقد الطائفية والفقر |
| 1980 | فيلم أميركي طويل | التدخل الأميركي والإسرائيلي | خطاب يساري ضد الإمبريالية |
| 1982 | أغانٍ للمقاومة | اجتياح بيروت | دعم المقاومة الفلسطينية |
| 1984-85 | أناديكم – جايي مع الشعب المسلح | نشوء جبهة المقاومة الوطنية | ألحان رسمية للمقاومة |
| 1993 | بخصوص الكرامة والشعب العنيد | ما بعد الطائف | نقد الفساد وانهيار الدولة |
| 2006 | تصريحات داعمة لحزب الله | حرب تموز | اصطفاف مع المقاومة |
| 2025 | تكريمه بوسام الأرز | لبنان بأزماته المستمرة | اعتراف متأخر بدوره |
شهادات معاصرة
-
برهان غليون (مفكر سوري): “زياد مثقف عضوي بالمعنى الغرامشي للكلمة”.
-
حسن داوود (روائي لبناني): “اسكتشاته صالحة لزمننا الحالي… الطائفية والفساد لم يتغيرا”.
-
رندا الأسمر (ممثلة): “العمل معه كان مدرسة… كل جملة محسوبة لتترك أثرًا سياسيًا وثقافيًا”.
إرث يتجاوز الأوسمة
قد تضع الدولة وسامًا على نعشه، لكن زياد ترك ما هو أبقى: لغة مقاومة ونقد وسخرية، وذاكرة موسيقية ومسرحية ستظل شاهدة على وجع لبنان وأحلامه.
زياد الرحباني لم يكن مجرد ابن فيروز وعاصي، بل كان ابن الفقراء، اليسار، والمقاومة. فنان لم يتصالح يومًا مع النظام، وواصل جلد الطائفية والفساد حتى آخر أنفاسه.
اختيار المحرر
- Published On: أغسطس 10, 2025
- Published On: أغسطس 1, 2025
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني
أخبار قد تهمك
- Categories: أخبار لبنانPublished On: يوليو 26, 2025
- Categories: أخبار لبنانPublished On: أغسطس 2, 2025
- Categories: أخبار كندا, الجالية في مونتريال وكنداPublished On: أغسطس 7, 2025

