الحدث كندا في لقاء مع سيادة المطران ميلاد الجاويش : من مهاجرَي الأمس إلى جيلٍ يعود إلى الجذور
الحدث كندا خاص
رؤوف نجم
مونتريال – الأربعاء 22 تشرين الأوّل/أكتوبر 2025
لقاءُ سيادةِ المطران ميلاد الجاويش في كاتدرائية المخلّص لا يمرّ كحدث بروتوكولي عابر؛ إنّه ساعةٌ من صفاءٍ روحيّ وفكريّ يُشعِرُك بأن الوقت يتباطأ كي تُصغي أكثر. وحين يكون الحديث عن أوّل جاليةٍ مسيحية مشرقيّة في مونتريال وأكبرها، تتّسع الدائرة لتشمل سيرة أشخاصٍ صارت بصماتهم جزءًا من ذاكرة الاغتراب. وقد جرى اللقاء بحضور الزميل أندريه قصّاص، استكمالًا لزيارة تعارفٍ سابقة، على وقع إصلاحات وتجديدات أنجزها سيادة المطران في مكاتب الكاتدرائية “لتليق بتاريخ بناة الكنيسة والمركز الملكيّ”، وفي طليعتهم الأب جورج خرياطي.
من البدايات إلى تثبيت الحضور
يؤرّخ المطران الجاويش لبدايات الرعيّة قائلاً إنّ «رعيّة المخلّص تأسّست سنة 1892 مع طلائع الجالية اللبنانية-السورية. وفي 1892 وصل الأب بطرس الشامي، الزحلاوي، كأوّل كاهن من دير المخلّص». تعاقب الكهنة حتى وصول الأب سمعان نصر (من بلدة جون – الشوف) الذي اشترى عام 1922 كنيسة أنجليكانية وسط المدينة، في شارع Viger الشهير. احترقت الكنيسة لاحقًا، فأُعيد ترميمها واستؤنفت الخدمة في هذه الكنيسة التي أصبحت المقرّ الرئيسيّ لرعيّة المخلّص. ومنذئذ أتى معظم الكهنة من دير المخلّص في جون (الشوف)، ما رسّخ الطابع الليتورجي والروحي للرعية.
الأب جورج خرياطي… الراعي الجامع وباني “السنتر”
تشهد سنة 1960 محطةً فاصلة بوصول الأب جورج خرياطي من جون. بدأ نائبًا للخوري ثم صار خوري الرعيّة، وكرّس حضوره الجامع في المجتمع: استقبل موجات الهجرة تباعًا،المصريّين الروم الكاثوليك في الخمسينيات والستينيات، واللبنانيّين زمن الحرب،وفتح أبواب الكاتدرائية «لكل قادمٍ بلا تمييز طائفي أو ديني»، ونسج علاقات متينة مع سلطات كيبيك وكندا، واستحصل منها على تسمية الشارع الذي يقع حاليًّا قرب كاتدرائيّة المخلّص بـ”شارع لبنان” (Rue du Liban).
بين 1973 و1974 أنشأ «المركز» الرعويّ (السنتر): اشترى الأرض من الراهبات، وُضع حجر الأساس سنة 1973، وكانت النيّة بدايةً بناء بيتٍ للكهنة وكنيسة ومجمّعٍ رعوي، بمؤازرة فريق كبير من العلمانيين. واصل خدمته حتى أواخر التسعينيات ثم أقعده المرض، فتبرّع المحسن المصري الروم الكاثوليكي فؤاد كبريتا وغيره من المحسنين ببناء بيتٍ يليق بخدمته وتعبه.
من «الزائر الرسولي» إلى قيام الأبرشية
لم يُرسَم الأب خرياطي أسقفًا، لكنّه نال رتبة الأرشمندريت وكُلّف «زائرًا رسوليًا» للروم الكاثوليك في كندا إبّان بطريركية مكسيموس الخامس حكيم، وذلك قبل تأسيس المطرانية. ومع قيام الأبرشية قرابة عام 1980، تولّى المطران ميشال حكيم المهمة في كندا، ما نظّم العمل الكنسي ورسّخ الإطار المؤسسي للجالية.
وفاءٌ يردّ الجميل: “جناح المونسنيور جورج خرياطي”
تكريمًا لإرث الرجل الذي «استقبل الجميع»، أعلنت الأبرشيّة إطلاق اسمه على أحد أجنحة المجمّع: «جناح الأب جورج خرياطي». غير أنّ الغاية، كما يوضح المطران، تتجاوز التسمية الرمزية إلى دعوةٍ عملية: «نريد أن نتواصل مع أبناء الذين جاء بهم الأب خرياطي—مِمّن كبِروا وذابت صلاتهم بالمكان—ليتذكّروا الجذور ويعودوا إلى البيت».
تحدّي الجيل الجديد… وخطّة جذبٍ واقعية
تُقارب الأبرشيّة واقع الشباب بواقعية: كثيرون باتت لغتهم اليومية فرنسية أو إنجليزية، واندمجوا في سوق العمل، فلا ينسجمون تلقائيًا مع مجموعات الشبيبة التقليدية. لذلك شُكّلت نواة من تسعة شبّان وشابّات لمحاولة إيجاد إطار يجمع هؤلاء “الشباب المتخصّصين” من مهندسين وأطباء وروّاد أعمال، من خلال إقامة شبكة تواصًل بين بعضهم البعض (Networking)، على أن تُنظّم في المستقبل لقاءات تناسب ذوقهم ودورهم (نشاط رياضي، قدّاس، وتمويل لقضيّة إنسانية)، لإحياء الروابط المهنية والكنسية معًا.
مبادرات قائمة تجذب وتحافظ
مبادرات عدّة قامت لتجذب الشباب إلى كنيستهم: من قداديس مسائيّة بالفرنسية، إلى دروس في الكتاب المقدّس تقام أسبوعيًّا على مدى شهري تشرين الأوّل وتشرين الثاني منذ أربع سنوات، يتابعها نحو 300–350 مشاركًا. ولتشجيع الفئة الشابة، خُصّصت جوائز (1000$، 500$، 350$) لمن يلتزم ثمانية لقاءات ويجتاز اختبارات قصيرة. الدروس تُقدَّم باللهجة اللبنانية مع ترجمةٍ فورية إلى الفرنسية والإنجليزية «ليصل المعنى قبل اللحن».
إصلاحاتٌ تعكس رؤية
إلى جانب الرؤية الرعوية، أنجز المطران الجاويش تجديدات في مكاتب الكاتدرائية لتصبح مرآةً لرسالة المكان وتاريخه؛ خطوةٌ تنظيميّة وجمالية تؤطّر العمل وتُسهّل استقبال النشاطات والوفود، وتُعيد الاعتبار لجهود من وضعوا الأساسات، وفي طليعتهم الأب خرياطي.
رعيّةٌ وُلدت من تعب المهاجرين الأوائل، وثبّت حضورها رجال «المخلّص» عبر أكثر من قرنٍ من الخدمة. اليوم، وتحت رعاية المطران ميلاد الجاويش، تُصاغ المعادلة بوضوح: حفظُ الجذور، بلغةٍ مفهومة، ومبادراتٍ تُشرك الجيل الجديد. من حجر الأساس الذي وُضع عام 1973 إلى «جناح الأب خرياطي» اليوم، تواصل أبرشيّة المخلّص في مونتريال رسالتها: بيتٌ مفتوح، إيمانٌ يُشرح ليُعاش، وشبكةُ حياةٍ تُعيد الأبناء إلى الكنيسة.
الأخبار بالفيديو

الأخبار عبر البريد الإلكتروني
اشترك الآن لتصلك الأخبار إلى بريدك الإلكتروني




